كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْكَنِيسَةِ فَقَدْ قَرَّرَهُ الْمَجْمَعُ النِّيقَاوِيُّ سَنَةَ 325 لِلْمِيلَادِ، وَمَجْمَعُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ سَنَةَ 381 وَقَدْ حَكَمَا بِأَنَّ الِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ مُسَاوِيَانِ لِلْآبِ فِي وَحْدَةِ اللَّاهُوْتِ، وَأَنَّ الِابْنَ قَدْ وُلِدَ مُنْذُ الْأَزَلِ مِنَ الْآبِ، وَأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ مُنْبَثِقٌ مِنَ الْآبِ، وَمَجْمَعُ طُلَيْطِلَةَ الْمُنْعَقِدُ سَنَةَ 589 حَكَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ مُنْبَثِقٌ مِنَ الِابْنِ أَيْضًا. وَقَدْ قَبِلَتِ الْكَنِيسَةُ اللَّاتِينِيَّةُ بِأَسْرِهَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَتَمَسَّكَتْ بِهَا، وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ الْيُونَانِيَّةُ فَمَعَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ سَاكِتَةً لَا تُقَاوِمُ قَدْ أَقَامَتِ الْحُجَّةَ فِيمَا بَعْدُ عَلَى تَغْيِيرِ الْقَانُونِ حَاسِبَةً ذَلِكَ بِدْعَةً.
وَعِبَادَةً (وَمِنَ الِابْنِ أَيْضًا) لَا تَزَالُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَانِعِ الْكُبْرَى لِلِاتِّحَادِ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ الْيُونَانِيَّةِ وَالْكَاثُولِيكِيَّةِ، وَكُتُبُ اللُّوثِيرِيِّينَ وَالْكَنَائِسُ الْمُصْلِحَةُ أَبْقَتْ تَعْلِيمَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ لِلثَّالُوثِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ دُونِ تَغْيِيرٍ، وَلَكِنْ قَدْ ضَادَّ ذَلِكَ مُنْذُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرَ جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنَ اللَّاهُوتِيِّينَ وَعِدَّةُ طَوَائِفَ جَدِيدَةٍ كَالسُّوسِينْيَانِيِّينَ وَالْجِرْمَانِيِّينَ وَالْمُوَحِّدِينَ وَالْعُمُومِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ حَاسِبِينَ ذَلِكَ مُضَادًّا، لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ أَطْلَقَ سُوِيدُ نَبْرَغُ الثَّالُوثَ عَلَى أُقْنُومِ الْمَسِيحِ مُعْلِمًا بِثَالُوثٍ، وَلَكِنْ لَا ثَالُوثَ الْأَقَانِيمِ بَلْ ثَالُوثُ الْأُقْنُومِ، وَكَانَ يَفْهَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَا هُوَ إِلَهِيٌّ فِي طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ هُوَ الْآبُ، وَأَنَّ الْإِلَهِيَّ الَّذِي اتَّحَدَ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ هُوَ الِابْنُ، وَأَنَّ الْإِلَهِيَّ الَّذِي انْبَثَقَ مِنْهُ هُوَ الرُّوحُ الْقُدُسُ، وَانْتِشَارُ مَذْهَبِ الْعَقْلِيِّينَ فِي الْكَنَائِسِ اللُّوثِيرِيَّةِ وَالْمُصْلِحَةِ أَضْعَفَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ اعْتِقَادَ الثَّالُوثِ بَيْنَ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ اللَّاهُوتِيِّينَ الْجِرْمَانِيِّينَ.
وَقَدْ ذَهَبَ (كَنْتْ) إِلَى أَنَّ الْآبَ وَالِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ثَلَاثِ صِفَاتٍ أَسَاسِيَّةٍ فِي اللَّاهُوْتِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ وَالْحِكْمَةُ وَالْمَحَبَّةُ، أَوْ عَلَى ثَلَاثَةِ فَوَاعِلَ عُلْيَا: وَهِيَ الْخَلْقُ وَالْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَقَدْ حَاوَلَ كُلٌّ مِنْ هِيجِنْ وَشِلِنْغِ أَنْ يَجْعَلَا لِتَعْلِيمِ الثَّالُوثِ أَسَاسًا تَخَيُّلِيًّا، وَقَدِ اقْتَدَى بِهِمَا اللَّاهُوتِيُّونَ الْجِرْمَانِيُّونَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَحَاوَلُوا الْمُحَامَاةَ عَنْ تَعْلِيمِ الثَّالُوثِ بِطُرُقٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أُسُسٍ تَخَيُّلِيَّةٍ وَلَاهُوتِيَّةٍ، وَبَعْضُ اللَّاهُوْتِيِّينَ الَّذِي يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْوَحْيِ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِتَعْلِيمِ اسْتِقَامَةِ الرَّأْيِ الْكَنَائِسِيَّةِ بِالتَّدْقِيقِ كَمَا هِيَ مُقَرَّرَةٌ فِي مَجْمَعَيْ نِيقِيَّةَ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ الْمَسْكُونَيْنِ، وَقَدْ قَامَ مُحَامُونَ كَثِيرُونَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِعَضْدِ آرَاءِ السَّابِلِيِّينَ عَلَى الْخُصُوصِ. اهـ.
وأقول: قَدْ حَدَثَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَذَاهِبُ جَدِيدَةٌ فِي النَّصْرَانِيَّةِ فِي أُورُبَّةَ وَأَمْرِيكَةَ قَرُبَ بِبَعْضِهَا كَثِيرُونَ مِنْ إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ لَهَا، سَيُفْضِي هَذَا إِلَى رُجُوعِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِلَيْهِ بَعْدَ تَنْظِيمِ الدِّعَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَتَعْمِيمِهَا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ هَذِهِ الْأَطْوَارَ فِي الْمَنَارِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَنَعُودُ الْآنَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؛ لِأَنَّ هَذَا آخَرَ مَوْضِعٍ لَهُ فِي التَّفْسِيرِ فَنَقُولُ: كُنَّا بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [5: 18] أَنَّ لَقَبَ ابْنِ اللهِ أُطْلِقَ فِي كُتُبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى آدَمَ، كَمَا تَرَاهُ فِي نَسَبِ الْمَسِيحِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا وَهُوَ: ابْنُ شَيْثِ بْنِ آدَمَ بْنِ اللهِ وَعَلَى يَعْقُوبَ كَمَا فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ [4: 22] هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِيَ الْبِكْرُ وَعَلَى أَفْرَايِمَ كَمَا فِي سِفْرِ أَرْمَيَا [31: 9] لِأَنِّي صِرْتُ أَبًا وَأَفْرَايِمَ هُوَ بِكْرِي وَعَلَى دَاوُدَ مِنْ [89: 26] هُوَ يَدْعُونِي أَبِي أَنْتَ إِلَهِيَ وَصَخْرَةُ خَلَاصِي 270 أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا أَعْلَى مِنْ كُلِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ أَيْضًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ وَسَمَّى اللهَ أَبًا لَهُمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِ الْعَهْدَيْنِ، وَيُقَابِلُهُ إِطْلَاقُ الْمَسِيحِ لَقَبَ أَوْلَادِ إِبْلِيسَ عَلَى غَيْرِ الصَّالِحِينَ، وَتَسْمِيَةُ إِبْلِيسَ أَبَاهُمْ كَمَا تَرَى فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا: [8: 41] أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ، قَالُوا: إِنَّنَا لَمْ نُوْلَدْ مِنْ زِنًا لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ 42 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي- إِلَى أَنْ قَالَ- أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا، وَهُنَالِكَ شَوَاهِدُ أُخْرَى مِنِ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ ابْنِ اللهِ فِي الْأَفْرَادِ كَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، وَتَسْمِيَتِهِمْ مَوْلُودِينَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَتَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ أَبًا لَهُمْ.
وَبَيَّنَّا أَيْضًا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ مَجَازِيٌّ قَطْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّ النَّصَارَى قَدْ خَرَجُوا عَنْ قَوَانِينِ الْعَقْلِ وَاللُّغَاتِ بِجَعْلِ إِطْلَاقِ لَفْظِ ابْنِ اللهِ عَلَى الْمَسِيحِ وَحْدَهُ حَقِيقِيًّا وَعَلَى غَيْرِهِ مَجَازِيًّا، وَوَعَدْنَا بِتَوْضِيحِ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ:
{وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ} عَلَى أَنَّنَا كُنَّا قَدْ بَيَّنَّاهُ وَوَضَّحْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [4: 171] الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَكَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ (الْمَنَارَ) وَلَعَلَّنَا مَا وَعَدْنَا بِإِيضَاحِهِ إِلَّا وَنَحْنُ ذَاهِلُونَ عَنْ هَذَا وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ فِي الْمُحَالِ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا غُمُوضًا وَإِشْكَالًا، فَالنَّصَارَى قَدْ تَحَكَّمُوا فِي تَفْسِيرِ (ابْنِ اللهِ) وَتَفْسِيرِ (الْكَلِمَةِ) وَتَفْسِيرِ (رُوحِ الْقُدُسِ) وَتَفْسِيرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ (اللهِ) بِمَا يُنَافِي الْعَقْلَ وَنُصُوصَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْجَدِيدِ، فَجَعَلُوهَا مُتَعَارِضَةً مُتَنَاقِضَةً. كُلُّ ذَلِكَ لِإِدْخَالِ عَقِيدَةِ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ مِنَ الْهُنُودِ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالْيُونَانِ عَلَى دِينِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَبْنِيِّ عَلَى أَسَاسِ التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ.
وَلَكِنَّنَا نَأْتِي بِخُلَاصَةٍ أُخْرَى فِي الْمَوْضُوعِ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَوْضَحَ وَأَظْهَرَ مِمَّا سَبَقَ، وَأَدُلَّ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ تَحْدِيدُ الْحَقَائِقِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، مِمَّا كَانَ مَجْهُولًا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، كَمَا وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَاتٍ مِنْهُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَسِيحِ نَفْسِهِ وَفِي مَعْنَى اسْمِ اللهِ وَكَلِمَتِهِ، وَرُوحِهِ أَوْ رُوحِ الْقُدُسِ فَنَقُولُ: قَالَ جُورْجْ بُوسْتْ فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: (اللهُ) اسْمُ خَالِقِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَالْحَاكِمِ الْأَعْظَمِ عَلَى جَمِيعِ الْعَوَالِمِ، وَالْمُعْطِي كُلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَسَنَةِ، وَاللهُ رُوحٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ، أَزَلِيٌّ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فِي وُجُودِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَدَاسَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَجَوْدَتِهِ وَحَقِّهِ وَهُوَ يَظْهَرُ لَنَا بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي أَعْمَالِهِ وَتَدْبِيرِ عِنَايَتِهِ (رو 1: 20) وَلاسيما فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ حَيْثُ يَتَجَلَّى غَايَةَ التَّجَلِّي فِي شَخْصِيَّتِهِ وَأَعْمَالِ ابْنِهِ الْوَحِيدِ الْمُخْلِصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (ثُمَّ قَالَ): (طَبِيعَةُ اللهِ) عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ مُتَسَاوِيَةِ الْجَوْهَرِ (مت 28: 19 و2 كو 13: 14) اللهُ الْآبُ، وَاللهُ الِابْنُ، وَاللهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، فَإِلَى الْآبِ يَنْتَمِي الْخَلْقُ بِوَاسِطَةِ الِابْنِ (مز 33: 6 وكو 1: 16 وعب 201) وَإِلَى الِابْنِ الْفِدَى، وَإِلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ التَّطْهِيرُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَانِيمَ تَتَقَاسَمُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ.
أَمَّا مَسْأَلَةُ التَّثْلِيثِ فَغَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ كَمَا هِيَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي تك ص1 حَيْثُ ذَكَرَ اللهَ وَرُوحَ اللهِ (قَابِلْ مز 33: 6 وَيو 1: 1 و3) وَالْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ الْمُشَخِّصَةُ أَمْ ص8 تُقَابِلُ الْكَلِمَةِ (فِي يو ص 1) وَرُبَّمَا تُشِيرُ إِلَى الْأُقْنُومِ الثَّانِي، وَتُطْلَقُ نُعُوتُ الْقَدِيرِ عَلَى كُلِّ أُقْنُومٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ عَلَى حِدَتِهِ. (ثُمَّ قَالَ):
(وَحِدَةُ اللهِ) ظَاهِرَةٌ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَالتَّثْلِيثُ بَيِّنٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ خَفِيٌّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَالدَّاعِي الْأَعْظَمُ لِهَذَا الْأَمْرِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارٌ لِخَطَأِ الشِّرْكِ بِاللهِ وَمَنْعِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الَّتِي كَانَتْ كَثِيرَةَ الشُّيُوعِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُولَى قَدِيمًا فَفِي تث 6: 4 يُدْعَى اللهُ رَبًّا وَاحِدًا وَكَانَ يُدْعَى الْإِلَهُ الْحَيُّ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ آلِهَةِ الْوَثَنِيِّينَ الْكَاذِبَةِ، وَالِاعْتِقَادُ بِأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ بَيِّنٌ جِدًّا فِي دِيَانَةِ الْيَهُودِ (ثُمَّ قَالَ): (ابْنُ اللهِ)- د 31: 25 ابْنُ الْآلِهَةِ- لَقَبٌ مِنْ أَلْقَابِ الْفَادِي وَلَا يُطْلَقُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ سِوَاهُ إِلَّا حَيْثُ يُسْتَفَادُ مِنَ الْقَرِينَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُلَقَّبِ غَيْرُ ابْنِ اللهِ الْحَقِيقِيِّ، وَقَدْ تَسَمَّتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي اللهِ (أي 38: 7) وَأُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى آدَمَ (لو 3: 38) إِذْ أَنَّهُ هُوَ الشَّخْصُ الْأَوَّلُ الْمَخْلُوقُ مِنَ الْبَارِي رَأْسًا. وَقَدْ تَسَمَّى الْمُؤْمِنُونَ أَبْنَاءَ اللهِ (رو 8: 14 و2 كو 6: 18) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَعْضَاءٌ فِي عَائِلَةِ اللهِ الرُّوحِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهَذَا اللَّقَبِ الْمَسِيحُ فَيُذْكَرُ مَعَ التَّفْخِيمِ وَالْعَظْمَةِ حَتَّى إِنَّ الْقَارِئَ يَعْرِفُ الْقَصْدَ بِكُلِّ سُهُولَةٍ.
وَهَذَا اللَّقَبُ يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ ابْنُ الْإِنْسَانِ يَدُلُّ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالْمَسِيحُ هُوَ ابْنُ اللهِ الْأَزَلِيُّ وَالِابْنُ الْوَحِيدُ (قَابِلْ يو 1: 18 و5: 19- 26 و9: 35: 38 ومت 11: 27 و16: 16 و21: 37 وَآيَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ فِي الرَّسَائِلِ) وَمَعَ أَنَّ الْمَسِيحَ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نَدْعُوَ اللهَ أَبَانَا فَهُوَ لَا يَدْعُوهُ كَذَلِكَ، إِنَّمَا يَدْعُوْهُ أَبِي وَذَلِكَ إِيمَاءٌ لِمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأُلْفَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْعِلَاقَةِ الشَّدِيدَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَهُمَا مِمَّا تَفُوقُ عَلَاقَتُهُ كُلَّ عِلَاقَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّنَا نَحْنُ أَوْلَادُهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْبُنُوَّةِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ رَبِّنَا، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْبُنُوَّةِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهَا بِوَاسِطَةِ التَّبَنِّي وَالتَّجْدِيدِ. اهـ. بِحُرُوفِهِ.
أَقُولُ: إِنَّ مَا لَخَّصَهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَامُوسِ مِنْ عَقِيدَةِ النَّصَارَى، هُوَ أَوْضَحُ مَا تُعْرَفُ بِهِ هَذِهِ الْعَقِيدَةُ بِالِاخْتِصَارِ الْمُتَوَخَّى فِي هَذَا الْقَامُوسِ، عَلَى غُمُوضِهِ وَضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِمْ قَلَّمَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ لِمَا فِي عِبَارَاتِهَا مِنَ التَّعْقِيدِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فِي مَوْضُوعٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فِي نَفْسِهِ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ مُؤَاخَذَاتٌ كَثِيرَةٌ نَذْكُرُ أَهَمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِنَا هُنَا مِنْهَا، وَلِذَلِكَ نَغُضُّ الطَّرْفَ عَمَّا قَالَهُ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ؛ لِأَنَّنَا نَقَلْنَاهُ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ فَنَقُولُ:
(1) مَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَمَّاهُ طَبِيعَةَ اللهِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْمِ الْكَرِيمِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَلَا مِمَّا جَاءَ عَنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الطَّبِيعَةُ الْمُدَّعَاةَ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَنْبِيَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ النَّصْرَانِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، وَهِيَ أَصْلُ الدِّينِ فِيهَا، وَنَتِيجَةُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ مُبْتَدَعَةٌ بَعْدَهُمْ وَهُمْ بُرَاءُ مِنْهَا.
(2) إِنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ نَصِّ الْإِنْجِيلِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا فِي إِنْجِيلِ مَتَّى مِنْ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ رِوَايَةً عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ [28: 19] وَعَمَّدُوهُمْ بِاسْمِ الْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ مُتَسَاوِيَةِ الْجَوْهَرِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَيْنُ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ (اللهِ) الْخَالِقِ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا عَلَى أَنَّهَا تَتَقَاسَمُ الْأَعْمَالَ الْإِلَهِيَّةَ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا ادَّعَاهُ فِيمَا سَمَّاهُ طَبِيعَةَ اللهِ.
وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ رِسَالَةِ بُولُسَ الثَّانِيَةِ إِلَى كُورَنْثُوسَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي آخِرِهَا [13: 14] نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ وَمَحَبَّةُ اللهِ وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّ بُولُسَ هُوَ وَاضِعُ أَسَاسِ الدِّيَانَةِ النَّصْرَانِيَّةِ الْحَاضِرَةِ، وَجَاءَ فِيهَا بِمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا عَنْ تَلَامِيذِهِ الْحَوَارِيِّينَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
(3) إِنَّ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْعَهْدَيْنِ مِنِ اسْتِعْمَالِ ابْنِ اللهِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ يُنَافِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَتَّفِقُ مَعَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِنَا عِنْدَ ذِكْرِهَا فِي الْآيَاتِ مِنْ سُورَتَيْ آلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى أَهَمِّهَا آنِفًا.
(4) إِنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَزْمُورِ [33: 6] لَيْسَ فِيهِ أَدْنَى إِشَارَةٍ إِلَى هَذِهِ الطَّبِيعَةِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي هَذَا التَّثْلِيثِ وَهَذَا نَصُّهَا (بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسْمَةٍ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا) وَهُوَ يَزْعُمُ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ الْمَسِيحُ، تَفْسِيرًا لَهَا بِرَأْيِ يُوحَنَّا فِي أَوَّلِ إِنْجِيلِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لِلْكَلِمَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ الْيَهُودِ، بَلْ هُوَ مَعْنًى اخْتَرَعَهُ الَّذِي كَتَبَ إِنْجِيلَ يُوحَنَّا، وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ أَحَدُ تَلَامِيذِ بُولُسَ. وَكَانَ الدُّكْتُورُ جُورْجُ بُوسْتُ كَتَبَ هَذَا الشَّاهِدَ هُنَا قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ تَفْسِيرَ الْكَلِمَةِ فِي قَامُوسِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَتَبَهُ نَسِيَ مَا كَانَ كَتَبَهُ هُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْهُ مَا نَصُّهُ: يُقْصَدُ بِالْكَلِمَةِ السَّيِّدُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا فِي مُؤَلِّفَاتِ يُوحَنَّا. اهـ. فَكَيْفَ فَسَّرَ بِهَا عِبَارَةَ الْمَزْمُورِ إِذًا؟
وَكَذَلِكَ مَا نَقَلَهُ عَنْ رِسَالَتَيْ بُولُسَ إِلَى كُولُوسِي، وَإِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَلَوْ دَلَّ عَلَيْهَا لَكَانَ أَحَدَ دَلَائِلِنَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ قَدْ وَضَعَ بُولُسُ أَسَاسَهَا، إِذْ لَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ التَّوْرَاةِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَلَا الْمَسِيحُ.
(5) قَوْلُهُ: إِنَّ مَسْأَلَةَ التَّثْلِيثِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، صَوَابُهُ: غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لَا بِالنَّصِّ وَلَا بِالظَّاهِرِ وَلَا بِالْفَحْوَى وَالْإِشَارَةِ الْوَاضِحَةِ. وَعَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ عِنْدَ النَّصَارَى هِيَ أَسَاسُ الدِّينِ أَوْ رُكْنُهُ الْأَعْظَمُ، فَلَوْ كَانَتْ عَقِيدَةً إِلَهِيَّةً مُوحًى بِهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَصَرَّحُوا كُلُّهُمْ بِهَا تَصْرِيحًا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ كَمَا صَرَّحُوا بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي اعْتَرَفَ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ (وَبَيِّنٌ جِدًّا) فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَهَاتَانِ الْعَقِيدَتَانِ عَلَى أَتَمِّ التَّنَاقُضِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ سِفْرِ التَّكْوِينِ بِذِكْرِ اللهِ وَلَفْظِ (رُوحِ اللهِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ مِنْهُمَا أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَا غَيْرِهِمْ قَبْلَ ابْتِدَاعِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَلْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ أَسَاسُ الْعَقِيدَةِ فِي كِتَابِ اللهِ مُبْهَمًا لَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُونَ مِنْهُ، كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا مِنِ اسْتِشْهَادِهِ بِالْمِزْمَارِ [33: 6] وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مَوْجُودَانِ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِكُفْرِ الْقَائِلِينَ بِالتَّثْلِيثِ.
(6) مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ (وِحْدَةِ اللهِ) مِنْ سَبَبِ التَّصْرِيحِ بِتَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى بِأَقْوَى النُّصُوصِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَهُوَ سَدُّ ذَرِيعَةِ الْوَثَنِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ كَثِيرَةَ الشُّيُوعِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُولَى هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْوَثَنِيَّةَ الَّتِي أَرَادَ اللهُ تَعَالَى سَدَّ ذَرَائِعِهَا بِنُصُوصِ التَّوْحِيدِ الْقَطْعِيَّةِ لِمُوسَى وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَانَ مِنْ أَرْكَانِهَا عَقِيدَةُ التَّثْلِيثِ الْهِنْدِيَّةُ الْمِصْرِيَّةُ الْيُونَانِيَّةُ، فَمَا وَقَعَ فِيهِ النَّصَارَى مِنَ الْوَثَنِيَّةِ هُوَ الَّذِي أُرِيدَ وِقَايَةُ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ بِتِلْكَ النُّصُوصِ الْإِلَهِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَلاسيما الْوَصِيَّةُ الْأُولَى مِنْ وَصَايَا التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمُجْمَلَةُ فِي رَسَائِلِ بُولُسَ وَأَنَاجِيلِ تَلَامِيذِهِ، وَعَدَمِ تَأْوِيلِهِمْ لَهَا بِهَا يُوَافِقُ تَوْحِيدَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَنُصُوصَ التَّنْزِيهِ فِيهَا وَفِي الْإِنْجِيلِ أَيْضًا.